فصل: أربع وتسعين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 اثنتين وتسعين وثلاثمائة

فيها زاد أمر الشطار وأخذوا الناس ببغداد نهاراً جهاراً وقتلوا وبدعوا وأضلوا بعد ذلك ببعض وكثروا وصار فيهم هاشميون فسير بهاء الدولة وكان غائباً عميد الجيوش إلى العراق ليسوسها فقتل وصلب ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب وقامت الهيبة‏.‏وفيها توفي الفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي وكان عالما بالحديث رأساً في الفقه‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ لم أر مثله‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الرحمن بن أبي شريح‏:‏ محمد الأنصاري محدث هراة‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي‏.‏

كان إماما في العربية صاحب تصانيف في النحو والعروض والقوافي وشرح ديوان المتنبي لازم أبا علي الفارسي وكان أبوه مملوكاً رومياً‏.‏

وسئل المتنبي عن قوله ‏"‏ صبرت أم لم تصبرا ‏"‏ في ثبوت الألف مع لم الجازمة فقال‏:‏ لو كان أبو الفتح هنا لأجابك يعني ابن جني‏.‏

قلت‏:‏ وهذه الألف بدل من نون التأكيد الخفيفة أصله ‏"‏ أم لم تصبرن ‏"‏ ومنه قول الأعشى‏:‏ ولله فاعبدا أصله‏:‏ فاعبدن‏.‏

ولابن جني تصانيف كثيرة مفيدة منها ‏"‏ التنبيه ‏"‏ و ‏"‏ المهذب ‏"‏ و ‏"‏ اللمع ‏"‏‏.‏

و ‏"‏ التبصرة ‏"‏ ويقال إن أبا إسحاق أخذ تسمية كتبه منه‏.‏

وفيها توفي الوليد بن أبي بكر الأندلسي الحافظ‏.‏رحل وروى عن ابن رشيق‏.‏

وعلي بن الخطيب وخلق قال ابن الفرضي‏:‏ كان إماماً في الفقه والحديث عالماً باللغة والعربية لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ‏.‏فيها توفي الحسن بن الضبي المعروف بابن وكيع الشاعر المشهور ذكره الثعالبي وقال‏:‏ كان شاعراً بارعاً وعالماً جامعاً قد برع على أهل زمانه فلم يتقدمه أحد في أوانه وله كل بديعة يسخر الأوهام ويستعبد الأفهام وله ديوان شعر جيد وله كتاب بين في سرقات المتنبي سماه المصنف ومن شعره‏:‏ لقد قنعت همتي بالخمول وصدت عن الرتب العالية وما جهلت طعم طيب العلا ولكنها تؤثر العافية قال بعض الفقهاء‏:‏ أنشدت الشيخ أبا الفتح القضاعي المدرس بتربة الشافعي في القرافة بيتي ابن وكيع المذكورين فأنشدني لنفسه على البديهة‏:‏ بقدر الصعود يكون الهبوط فإياك والرتب العالية وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم رجلاك في عافية ولابن وكيع أيضاً‏:‏ سلا عن حبك القلب المشوق فما يسبو إليك ولا يتوق جفاؤك كان عنك لنا عزاء وقد يسلى عن الولد العقوق وفيها توفي الإمام أبو نصر صاحب الصحاح الجوهري إسماعيل بن حماد التركي اللغوي أحد أركان اللغة‏.‏قيل‏:‏ كان في جودة الخط في طبقة ابن مقلة ومهلهل أكثر الترحال ثم سكن نيسابور وقيل كان متردياً من سطح بيت بنيسابور وقيل إنه تسود‏.‏

وعمل له شبه جناحين وقال‏:‏ أريد أن أطير فطار فهلك رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الطائع له عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل العباسي‏.‏

كانت دولته أربعاً وعشرين سنة خلع من الخلافة في شعبان

سنة إحدى وثمانين بالقادر بالله إلى أن مات ليلة الفطر من سنة ثلاث وتسعين وله ثلاث وسبعون سنة وصلى عليه القادر بالله ولم يؤذوه بل بقي مكرماً محترماً في دار ابن عمه القادر بالله وشيعه من الأكابر ورثاه الشريف الرضي‏.‏

وفيها توفي السلامي محمد بن عبد الله المخزومي الشاعر

قال الثعالبي‏:‏ هو من أشعر أهل العراق قولاً بالإطلاق وشهادة بالاستحقاق‏.‏

ومن شعره قوله في عضد الدولة‏:‏ إليك طوى عرض البسيطة جاعل قصارى المطايا أن يلوح لها القصر فكنت وعزمي في الظلام وصارمي ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر وبشرت إياك بملك هو الورى ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر وقد أخذ القاضي أبو بكر الأرجاني معنى البيت الأخير وسبكه في قوله‏:‏ لو زرته لرأيت الناس في رجل والدهر في ساعة والأرض في دار وقد استعمل المتنبي أيضاً هذا المعنى لكنه لم يكمله بل أتى ببعضه في النصف الأخير من هذا البيت‏.‏

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق ولما ذكر ابن خلكان ما بعد نظم السلامي قال‏:‏ وإن كان في معنى ذلك لكن ليس فيه رشاقته ولا عليه طلاوته‏.‏

وكان عضد الدولة يقول‏:‏ إذا رأيت السلامي في مجلسي ظننت أن عطارد قد نزل من الفلك إلي‏.‏

 أربع وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو عمر عبد الله بن عبد الوهاب السلمي الأصبهاني المقرىء‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح إبراهيم بن علي البغدادي‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن عبد الملك اللخمي القرطبي الحداد‏.‏

 خمس وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي الحافظ أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان القرطبي‏.‏

وفيها توفي الخفاف أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الزاهد النيسابوري‏.‏

 ست وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي الحافظ العلم أحمد بن عبد الله اللخمي الأشبيلي كان يحفظ عدة مصنفات وكان إماماً في الأصول والفروع‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو سعيد بن إسماعيل شيخ الشافعية بجرجان‏.‏

وفيها توفي ابن شيخهم إسماعيل بن أحمد‏.‏

كان صاحب فنون وتصانيف توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب ‏"‏ إياك نعبد وإياك نستعين ‏"‏ الفاتحة‏:‏ 15 ففاضت نفسه وله ثلاث وستون سنة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عمرو محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري المزكي صاحب الأربعين المروية‏.‏

 سبع وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي الإمام أصبغ بن الفرج الأندلسي المالكي مفتي قرطبة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن القصار البغدادي المالكي صاحب كتاب ‏"‏ مسائل الخلاف‏.‏قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي‏:‏ لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن مشه‏.‏

وقال أبو ذر الهروي‏:‏ هو أفقه من لقيت من المالكية‏.‏

وفيها توفي من طبقته أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه الشافعي‏.‏

كان مفتياً قريباً من ستين سنة وكان له من كل علم حظ وعاش قريباً من مائة سنة‏.‏

 ثمان وتسعين وثلاثمائة

فيها ثارت فتنة هائلة ببغداد‏.‏

قصد رجل شيخ الشيعة ابن المعلم وهو الشيخ المفيد وأسمعه ما يكره فثار تلامذته وقاموا واستنفروا الرافضة وأتوا قاضي القضاة أبا محمد الأكفاني والشيخ أبا حامد الأسفراييني فسبوهما فحميت الفتنة ثم إن أهل السنة أخذوا مصحفاً قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بإتلافه فأتلف بمحضر منهم فقام ليلة النصف رافضي وشتم فأخذ فثارت الشيعة ووقع القتال بينهم وبين السنية واختفى أبو حامد واستنفرت الروافض وصاحوا حاكم يا منصور فغضب القادر بالله وبعث خيلاً لمعاونة السنية فانهزمت الرافضة حرق بعض دورهم وذلوا وأمر عميد وفيها زلزلت الدينور فهلك تحت الردم أكثر من عثرة آلاف وزلزلت سيراف السبت وغرق عدة مراكب ووقع برد عظيم وبلغ وزن واحدة منه مائة وستة دراهم‏.‏

وفيها هدم الحاكم العبيدي الكنيسة المعروفة بالقمامة بالقدس لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم ثم هدم الكنائس التي في مملكته‏.‏

ونادى‏:‏ من أسلم وإلا فليخرج من مملكتي أو يلتزم بما أمر‏.‏

ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري وبتعليق خشبة كبد المكمدة وزنها ستة أرطال في عنق اليهودي إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه فقيل‏:‏ كانت الخشبة على تمثال رأس عجل وبقي هذا مدة سنين ثم رخص لهم في الردة كونهم مكرهين وقال‏:‏ تنزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني الأديب العلامة بديع الزمان صاحب المقامات الفائقة التي هي بالاختراع سابقة وعلى منوالها نسج الحريري مقاماته واحتذى حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج وإلى ذلك أشار بقوله‏:‏ فلو قبل مبكاها بكيت صبابة بسعدى شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم والبديع المذكور أحد الفضلاء الفصحاء وله رسائل بديعة ونظم مليح سكن هراة من بلاد خراسان‏.‏

فمن رسائله الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه‏.‏

فكذلك الضيف يسمح لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام‏.‏

ومن رسائله أيضاً‏:‏ حضرته التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرام لا مشعر الحرام ومنى الضيف لا منى الخيف وقنبلة الصلاة لا قبلة الصلاة وله من تعزية الموت خطب قد عظم حتى هان ومس خشن حتى لان والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها وجنت حتى صار أصغر ذنوبها فانظر يمنة هل ترى إلا محنة ثم انظر يسرة هل ترى إلا حسرة‏!‏ ومن شعره من جملة قصيدة طويلة‏:‏ وكاد يحكيك صوب الغيث منسكباً لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا والدهر لو لم يحن والشمس لو نطقت والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر توفي رحمة الله مسموماً بهراة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل ونبش عنه فوجد قد قبض على لحيته ومات من هول القبر والله أعلم‏.‏

فيها رجع الركب العراقي خوفاً من ابن الجراح الطائي فدخلوا بغداد قبل العيد‏.‏

وأما ركب البصرة فأجازه بنو زغب الهلاليون‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ أخذوا للركب ما قيمته ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد الدارمي الشاعر المشهور كان من فحول شعراء عصره وخواص مداح سيف الدولة بن حمدان‏.‏

وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة وله معه وقائع ومعارضات في أناشيد‏.‏

ومن شعره في القاضي أبي طاهر صالح بن جعفر الهاشمي‏:‏ أمير العلا إن العوالي كواسب علاك في الدنيا وفي جنة الخلد يمر عليك الحول سيفك في الطلى وطرفك ما بين الشكيمة والورد ويمضي عليك الدهر فعليك للعلى وقولك للتقوى وكفك للرفد قلت هذا هو في الأصل المنقول منه وصوابه علاك من الدنيا ومن جنة الخلد والطلى‏:‏ بضم الطاء المهملة وتشديدها‏:‏ الأعناق وهو مراده في هذا البيت وبكسرها‏:‏ القطران وما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه والخمر عند بعض العرب وبفتحها‏:‏ الولد من ذوات الظلف‏.‏

والطلي بكسر اللام‏:‏ الصغير من أولاد الغنم والطرف بكسر الطاء‏:‏ الكريم من الخيل‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي بضم الصاد المنجم المصري صاحب الزيج بكسر الزاي وسكون المثناة من تحت وفي آخره جيم الحاكمي المشهور المعروف بزيج ابن يونس وهو زيج كبير في أربع مجلدات بسط القول والعمل فيه وما أقصر في تحريره وذكر أن الذي أمره بعمله وابتدأه للعزيز بن الحاكم صاحب مصر‏.‏قال بعضهم كان ابن يونس المذكور أبله مغفلاً يعتم على طرطور طويل ويجعل رداءه فوق العمامة وكان طويلاً إذا ركب ضحك منه الناس لشهرته ورثاثة لباسه وسوء حالته وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النخامة لا يشاركه فيها أحد وكان متفنناً في علوم كثيرة وقد أفنى عمره في النجوم والسير والتوليد ولا نظير له في ذلك وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به وله شعر حسن منه قوله‏:‏ أحمل نشر الريح عند هبوبه رسالة مشتاق لوجه حبيبه بنفسي من تحيى النفوس بقربه ومن طابت الدنيا به وبطيبه لعمري لقد عطلت كأسي بعده وغيبتها عني لطول مغيبه وجدد وجدي طائف منه في الكرى سرى موهناً في خفية من رقيبه ويحكى أن الحاكم العبيدي صاحب مصر قال وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله‏:‏ دخل إلى عندي يوماً ومداسه في يده فقبل الأرض وجلس وترك المداس إلى جانبه وأنا أراه وأراها وهو بالقرب مني فلما أراد الانصراف قبل الأرض وقدم المداس ولبسه وانصرف‏.‏

قيل‏:‏ ذكر هذا في معرض غفلته وقلة اكتراثه‏.‏

وكانت وفاته فجأة‏.‏وفيها توفي القدوة أبو الفضل أحمد بن أبي عمران نزيل مكة رحمه الله‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد‏.‏الأنطاكي الشاعر ومن شعره قوله في مدح وزير العزيز ابن المعز العبيدي‏:‏ قد سمعنا مقاله واعتذاره وأقلنا ذنبه وعثاره والمعاني لمن عفت ولكن بك عرضت فاسمعي يا جاره أربع مائة فيها أقبل الحاكم العبيدي على التأله والدين على مقتضى مذهبه وأمر بإنشاء دار العلم بمصر وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين وعمر الجامع المعروف بجامع الحاكم في القاهرة وكثر الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق تلك الدار ومنع من فعل كثير من الخير‏.‏

وفيها توفي أبو نعيم الأسفراييني عبد الملك بن الحسن راوي المسند الصحيح عن الحافظ أبي وفيها توفي أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي الشاعر المشهور صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس فمن نثره البديع قوله‏:‏ من أصلح فاسده أرغم حاسده‏.‏

ومن أطاع غضبه أضاع أدبه‏.‏

عادات السادات سادات العادات‏.‏

من سعادة جدك وقوفك عند حدك‏.‏

أجمل الناس من كان للإخوان مذللاً وعلى السلطان مدللاً‏.‏

الفهم شعاع العقل‏.‏

المنية تضحك من الأمنية‏.‏

حد العفاف الرضي بالكفاف بالخرق الرقيع ترقيع‏.‏يعني بالرقيع‏:‏ الأحمق‏.‏

قلت‏:‏ ولو قال‏:‏ على الإحسان مذللاً عوضاً عن قوله وعلى السلطان كان أصلح وعند أهل الخير أملح لكنه ممن لهم رغبة في القرب السلطان فللرهبة ولهذا قال أيضاً‏:‏ الرشوة رشاء الحاجات‏:‏ ما دخل نجاس النجاسات في جواهر الجناسات‏.‏

ومن بديع نظمه قوله‏:‏ إن هز أقلامه يوماً ليعلمها أنساك كل كمي هن عامله وإن أمر على رق أنامله أقر بالرق كتاب الأنام له وقوله‏:‏ إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم بما تحدثت من ماض ومن آت فلا تعد لحديث إن طبعهم مؤكل بمعاداة المعاداة وقوله‏:‏ وإن له خلق واحد وفيه طبائعه الأربع وكم قدروا له أشعاراً شهيرة تجنيساً وغيره‏.‏

وفيها توفي السيد الجليل الفقيه الفاضل الصالح العالم العامل الورع الزاهد جعفر ابن عبد الرحيم التيمي من حوالي الجند بفتح الجيم والنون سأله والي الجند الإقامة في بعض تلك البلاد لنفع الخلق بالفتوى والتدريس ونشر العلم فأجابه إلى ذلك بشرطين أحدهما‏:‏ إعفاؤه من الحكم و الثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئاً فأقام على ذلك مدة ثم اتفق أنه حضر يوماً عقداً عند الوالي فأحضر من الطعام ما جرت العادة بإحضاره عند العقد ثم خص الوالي الفقيه المذكور بشيء من الموز وقال‏:‏ هذا أهداه لي فلان وذكر إنساناً تطيب به النفس فكل منه موزتين ثم خرج فتقيأهما في دهليز الوالي‏.‏

ثم لما ملك البلاد ابن الصليحي سأله أن يتولى القضاء فقال له‏:‏ لا أصلح لذلك‏.‏

فأعرض عنه ابن الصليحي مغضباً فخرج من عنده فافتقده فلم يجده فأمر بعض من عنده من الجند أن يلحقوه ويبطشوا به فلحقه منهم في بعض الطريق خمسة عشر رجلاً فضربوه بسيوفهم فلم تقطع فيه شيئاً ثم كرروا الضرب حتى آلمتهم أيديهم فلم يؤثر فيه فرجعوا وأعلموا ما مضى من ابن الصليحي فأمرهم بكتمان ذلك‏.‏

وسئل الفقيه المذكور عن حاله وقت الضرب فقال‏:‏ كنت أقرأ سورة يس فلم أشعر بالضرب‏.‏

فيها أقام صاحب الموصل الدعوة ببلده للحاكم أحد خلفاء الباطنية لأن رسل الحاكم تكررت إلى صاحب الموصل قرواش بفتح القاف والراء وبعد الألف شين معجمة ابن مخلد بفتح اللام فأفسدوه فسار قرواش إلى الكوفة فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن وأمر خطيب الأنبار بذلك فهرب وأبدى قرواش صفحة الخلاف وعاث وأفسد فأرسل القادر بالله إلى الملك بهاء الدولة الإمام أبي بكر الباقلاني فقال‏:‏ قد كاتبنا أبا علي عميد الجيوش في ذلك ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار وإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا‏.‏

ثم إن قرواش خاف الغلبة فأرسل يعتذر وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ركب العراق لفساد الوقت‏.‏

وفيها توفي عميد الجيوش أبو علي الحسين بن أبي جعفر وكان أبوه من حجاب عضد الدولة‏.‏

وخدم أبو علي بهاء الدولة وترقت مرتبته فولاه نائباً عنه بالعراق فأحسن سياستها وأبطل عاشوراء الرافضة وأباد الحرامية والشطار وصار عدله ذا اشتهار‏.‏

وفي عدله وهيبته حكايات ذكرها العلماء والأخيار‏.‏

وفيها توفي العالم الكبير أبو عمرو أحمد بن عبد الملك الاشبيلي المالكي‏.‏

انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه مع الورع والصيانة ودعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتفع وصنف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك في عشر مجلدات‏.‏

وفيها توفي صاحب كتاب الغريبين أحمد بن محمد الهروي‏.‏

كان من العلماء وما أقصر في كتابه المذكور وكان يصحب أبا منصور الأزهري اللغوي وعليه اشتغل وبه انتفع وتخرج وكتابه المذكور جمع فيه بين تفسير غريب القرآن الكريم وغريب حديث الرسول عليه السلام وهو من الكتب النافعة التي سارت في الإذاق الشاسعة‏.‏

وفيها توفي أبو عمر أحمد بن محمد القرطبي الأموي مولاهم روى عن قاسم بن أصبغ وخلق وهو أكبر شيخ لابن حزم‏.‏

وفيها توفني قاضي قضاة العبيديين وابن قاضيهم عبد العزيز بن محمد بن نعمان‏.‏قتله الحاكم وقتل معه قائد القواد حسين أبن القائد جوهر وبعث من حمل إليه رأس قاضي طرابلس أبي الحسين علي بن عبد الواحد لكونه سلم عزاز إلى متولي حلب‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن العلوي النيسابوري شيخ الأشراف وكان سيداً نبيلاً صالحاً‏.‏

قال الحاكم‏:‏ عقد له مجلس الإملاء واتتقبت له ألف حديث وكان يعد في مجلسه ألف محبرة‏.‏

وفيها وقيل في التي قبلها ترفي أبو الفتح علي بن محمد البستي الكاتب الشاعر المشهور ومن ألفاظه المليحة ما تقدم من قوله‏:‏ من أصلح فاسده أرغم حاسده إلى آخرها‏.‏

 سنة اثنتين واربع مائة

فيها كتب محضر ببغداد في القدح في النسب الذي يدعيه خلفاء مصر العبيديون وفي عقائدهم وأنهم زنادقة منسوبون إلى الخرمية بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وكسرالميم وفتح المثناة من تحت مشددة وفي آخره هاء إخوان الكافرين شهادة يتقرب بها إلى رب العالمين وإن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله تعالى عليه بالبوار مع كلام طويل قاله فيه‏:‏ لما صار الملقب بالمهدي إلى المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي وهو ممن تقدم من سفلة الأنجاس أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي رضي الله تعالى عنه وقد كان هذا الإنكار شائعاً بالحرمين ولا نعلم أحداً من الطالبيين توقف في إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم ادعياء وإن هذا الناجم بمصر وسيلة كفار وفساق بمذهب التنوية والمجوسية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية‏.‏

وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وكتب خلق في المحضر‏:‏ منهم الشريف المرتضى وأخوه الشريف الرضي وجماعة من الكبار العلوية والقاضي أبو محمد الأكفاني والإمام أبو حامد الاسفراييني والإمام أبو الحسين القدوري وخلق كثير‏.‏

وفيها توفي أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد الأندلسي القرطبي صاحب التصانيف‏.‏

كان من جهابذة المحدثين وحفاظهم جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس وكان يملي من حفظه‏.‏

وقيل‏:‏ إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسمية ولي القضاء والخطابة وعزل بعد تسعة أشهر وله كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتين وخمسين جزءاً‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو الحسن بن اللبان الفرضي محمد بن عبدالله البصري

روى سنن أبي داود وسمعها منه القاضي أبو الطيب‏.‏

قال الخطيب‏:‏ انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيها كتباً‏.‏

وروى عنه بعضهم أنه قال‏:‏ ليس في الأرض فرضي إلا من أصحابي أو أصحاب أصحابي إلا ويحسن شياً‏.‏

وكان إماماً في الفقه والفرائض صنف فيهما كتباً نفيسة وبه وبالإمام أبي حامد الاسفرائيني تفقه الحاقظ محمد بن يحيى المعروف بابن سراقة والقاضي الإمام أبو عبدالله الجعفي الكوفي الحنفي المعروف بابن النهرواني‏.‏

 سنة ثلاث وأربع مائة

فيها أخذ الركب العراقي وفيها توفي الإمام الكبير الفقيه الشهير القاضي أبو عبدالله الحسين بن الحسن الحليمي الجرجاني البخاري الشافعي صاحب التصانيف المستحسنة والآثار الحسنة والفضائل المتفقة وهو صاحب وجه في المذهب تفقه على أبي بكر الأودن وأبي بكر القفال‏.‏

ثم صار إماماً معظماً مرجوعاً إليه في ما وراء النهر‏.‏

وفيها توفي شيخ الحنابلة القاضي أبو يعلى صاحب المصنفات في أنواع مختلفات‏.‏

وفيها توفي الوليد بن محمد بن يوسف الأزدي الأندلسي القرطبي الحافظ المعروف بابن الفرضي‏.‏

كان فقيهاً عالماً في فنون العلم من الحديث وعلم الرجال والأدب البارع وله من التصانيف تاريخ علماء الاندلس وله كتاب حسن في المؤتلف والمختلف وفي مشتبه النسبة وكتاب في أخبار شعراء الأندلس وغير ذلك ورحل من الأندلس إلى المشرق فحج وأخذ عن العلماء وسمع منهم وكتب من إمامهم‏.‏

ومن شعره‏:‏

أسير الخطايا عند بابك واقف ** على وجل مما به أنت عارف

يخاف ذنوباً لم يخف عنك عيبها ** ويرجوك فيها فهو راج وخائف

فمن ذا الذي يرجى سواك ويتقي ** وما لك من فضل القضاء مخالف

فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي ** إذا نشرت يوم الحساب الصحائف

وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما ** يصد ذوو القربى ويحفوا الموالف

فإن ضاق عني عفوك الواسع الذي ** أرجي لإسرافي فإني لتالف

قلت ما أحسسن هذه الأبيات إذا تضرع فيها بقلب وجلة الرجل المتوجه إلى الله عز وجل إلا أن فيها شيئين‏:‏ احدهما قوله أنت عارف والله تعالى لا يقال له عارف وإنما يقال‏:‏ عالم وفيه بحث يطول موضع ذكره في كتب الأصول‏.‏

والثاني أن في الأصل المنقول منه يخاف ذنوباً لم يخف عنك عيبها بتقديم لم وهو مكسور ولعله من غلط الكاتب وصوابه على ما ذكرته‏.‏

توفي شهيداً قتلته البربر رحمه الله يوم فتح قرطبة وروي عنه أنه قال‏:‏ تعلقت بأستار الكعبة فسألت الله الشهادة‏.‏

وفيها توفي سيف السنة وناصر الملة الإمام الكبير الحبر الشهير لسان المتكلمين وموضح البراهين وقامع المبتدعين وقاطع المبطلين القاضي أبو بكر محمد بن الطيب المشهور بابن الباقلاني الأصولي المتكلم المالكي الأشعري المجدد به دين الأمة على رأس المائة الرابعة على القول الصحيح‏.‏

وقد أوضحت ذلك وذكرت طرفاً من مناقبه في الشاش المعلم شاؤش كتاب المرهم و مناقب مائة إمام من أعيان أئمة الأشعرية وإنه كانت محاسن القاضي أبي بكر المذكور الباطنة أكثر من محاسنه الظاهرة وكان كل ليلة إذا قضى ورده كتب خمساً وثلاثين ورقة تصنيفاً من حفظه‏.‏

وكان فريد عصره في فنه‏.‏

وله التصانيف الكبيرة المسندة الشهيرة وإليه انتهت الرئاسة في هذا العلم وكان ذا باع طويل في بسط العبارة مشهوراً بذلك حتى إنه جرى بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة يوماً فأطال قاضي أبو بكر فيها الكلام ووسع في العبارة وزاد في الإسهاب وبالغ في الإيضاح الإطناب ثم التفت إلى الحاضرين وقال‏:‏ اشهدوا على أنه إن أعاد ما قلت لأغير الايضاح ولم أطالب بالجواب فقال الهاروني‏:‏ اشهدوا على أنه إن أعاد كلام نفسه سلمت له ما قال‏.‏

وقال الحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي‏:‏ محمد بن الطيب أبو بكر القاضي معروف بابن الباقلاني المتكلم على مذهب الأشعري وكان ثقة أعرف الناس بعلم الكلام وأحسهم خاطراً وأجودهم لساناً وأصحهم عبارة وله التصانيف الكثيرة في الرد على المخالذين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وغيرهم وقال‏:‏ حدثت أن ابن المعلم شيخ الرافضة ومتكلمها حضر بعض مجالس النظر مع أصحابه فأقبل القاضي أبو بكر الأشعري فالتفت ابن المعلم إلى أصحابه وقال‏:‏ قد جاءكم الشيطان فسمع القاضي كلامه وكان بعيداً فلما جلس أقبل على ابن المعلم وأصحابه وقال‏:‏ قال الله تعالى ‏"‏ أنا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً ‏"‏ - مريم -‏.‏وقال الشيخ أبو القاسم بن برهان النحوي‏:‏ من سمع مناظرة القاضي أبي بكر لم يستلذ بعدها لسماع كلام أحد من المتكلمين والفقهاء والخطباء والمترسلين ولا الأغاني أيضاً لطيب كلامه وفصاحته وحسن نظامه وإشارته‏.‏

وله التصانيف الكثيرة في الرد على المخالذين من المعتزلة والرافضة والخوارج والمرجئة والمشبهة والحشوية‏.‏وحكى الحافظ ابن عساكر عن أهل العلم أنه قال‏:‏ كان القاضي أبو بكر فارس هذا العلم مباركاً علي هذه الأمة يلقب سيف السنة ولسان الأمة وكان مالكياً فاضلاً متورعاً ممن لم يحفظ عليه زلة قط ولا تنسب إليه نقيصة‏.‏

وذكر الإمام القاضي أبو المعالي بن عبد الملك عن الشيخ الإمام أبي الحاكم القزويني قال‏:‏ كان الإمام أبو بكر الأشعري يضمر من الورع والديانة والزهد والصيانة أضعاف ما كان يظهره فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إنما ظهر ما أظهره غيظاً لليهود والنصارى والمبتدعين المخالذين لئلا يستحقروا علماء الحق والدين‏.‏

وقال الحافظ ابن عساكر‏:‏ كان الانتساب إلى الاعتزال فاشياً منتشراً وكل من كان متسنناً مستخفياً مستتراً إلى أن قام القاضي أبو بكر بنصرة المذهب واشتهر في المشرق والمغرب‏.‏

وكان مظهره بدار السلام التي هي قبة الإسلام فلم يظهر لذلك تغيير من الأنام ولا نكرة من العلماء والعوام بل كان الكل يتقلدون منه المنة من العوام والأئمة يلقبونه بأجمعهم سيف السنة ولسان الأمة‏.‏

وكان بينه وبين جماعة من الحنابلة مخالطة ومؤانسة واجتماع ومجالسة‏.‏

ونقل الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الخوارزمي قال‏:‏ كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس إلى تصانيفه سوى القاضي أبي بكر فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس‏.‏وروى الحافظ الخطيب أنه كان القاضي أبو بكر يهم أن يختصر ما يصنفه فلا يقدرعلى ذلك لسعة علمه وكثرة حفظه‏.‏

ولما توفي حضر الشيخ أبو الفضل التميمي الحنبلي حافياً مع إخوانه وأصحابه وأمر أن ينادي بين يدي جنازته‏:‏ هذا ناصر السنة والدين هذا إمام المسلمين هذا الذي كان يذب عن سنة الشريعة المخالذين هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين‏.‏

وروى الحافظ أبو القاسم بسنده إلى القاضي أبي الفخر قال‏:‏ سمعت الطائي يقول‏:‏ كنت أشتهي أن أرى القاضي الإمام أبا بكر في النوم فلم يتفق لي فنمت ليلة وصليت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف مرة وسألت الله تعالى ونمت فلما كان وقت السحر رأيت جماعة حسنة ثيابهم بيضاء وجوههم طيبة روائحهم ضاحكة أسنانهم فقلت لهم‏:‏ من أين جئتم فقالوا‏:‏ من الجنه‏.‏

فقلت‏:‏ ما فعلتم فقالوا‏:‏ زرنا القاضي الإمام أبا بكر الأشعري فقلت‏:‏ وما فعل الله به فقالوا‏:‏ غفر له ورفع له في الدرجات‏.‏

قال‏:‏ ففارقتهم ومشيت وكأني رأيت القاضي أبا بكر وعليه ثياب حسنة وهو جالس في رياض خضرة نضرة فهممت أن أساله عن حاله وسمعته يقرأ ‏"‏ فهو في عيشة راضية في جنة عالية ‏"‏ - الحاقة 21 - 22 - فهالني ذلك فرحاً وانتبهت‏.‏

ولما توقني رثاه بعضهم في هذين البيتين‏:‏

انظر إلى جبل تمشي الرجال به ** وانظر إلى القبر ما يحوي من السلف

انظر إلى صارم الإسلام منغمداً ** وانظر إلى درة الإسلام في الصدف

قلت‏:‏ لقد ضمن هذين البيتين مدحاً عظيماً يليق بجلالة الإمام المذكور ويناسب حاله المشهور ولكن لو أبدل لفظين من بيته كان أحسن وأنسب - فيما أرى - أحدهما قوله ما يحوي من السلف لو قال‏:‏ من الشرف والثاني قوله درة الإسلام لو قال‏:‏ درة التوحيد لتغاير بين اللفظين فإنه قد قال في هذا البيت‏:‏ صارم الإسلام والتوحيد‏.‏

وإن كان الإسلام داخلاً فيه فالمغايرة بين الألفاظ وإن اتحدت معانيها أحسن وأبعد من كراهة التكرير ومن قصيدة مدحه بها ملكت محبات القلوب ببهجة مخلوقة من عفة وتخبب فكأنما من حيثما قابلتها شيم الإمام محمد بن الطيب اليعربي بلاغة وفصاحة والأشعري إذا اعتزى للمذهب قاض إذا التبس القضاء على الحجى كشفت له الآراء كل مغيب لا تستريح إذا الشكوك تخالجت إلا إلى لب كريم المنصب وصلته همته بأبعد غاية أعني المريد بها سلوك المطلب أهدي له ثمر القلوب محبة وحباه حسن الذكر من لم يحبب ما زال ينصر دين أحمد صارعاً بالحق يهدي لطريق الأصوب والناس بين مضلل ومضلل ومكذب فيما أتى ومكذب حتى انجلت تلك الضلالة فاهتدى الساري وأشرق جنح ذاك الغيهب وفيها توفي الأمير شمس المعالي أبو الحسن قابوس بن أبي طاهر الجيل أمير جرجان وبلاد الجيل وطبرستان‏.‏

قال الثعالبي في اليتيمة‏:‏ أختم هذا الكتاب بذكر خاتم الملوك وغرة الزمان وينبوع العدل والإحسان ومن جمع الله سبحانه له إلى عزة العلم بضبطه القلم وإلى فضل الحكم فصل أما ترى البحر يعلو فوقه جيف ويستقر بأقصى قعره الدرر فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ونالنا من تمادي بؤسه ضرر ففي السماء نجوم ما لها عدد وليس يكسف إلا الشمس والقمر وله من النظم والنثر أشياء مستحسخة وكذلك كان خطه في نهاية من الحسن‏.‏

وكان الصاحب ابن عباد إذا رآه قال‏:‏ هذا خط قابوس أم جناح الطاوس وينشد قول المتنبي‏:‏ في خطه من كل قلب شهوة حتى كأن مداده الأهواء ولكل عين قرة في قربه حتى كأن مغيبه الأقذاء وكان الأمير المذكور صاحب جرجان وتلك النواحي وكانت من قبله لأبيه ثم انتقلت مملكة جرجان عنهم إلى غيرهم وشرح ذلك يطول‏.‏

وكان ملك قابوس المذكور لها في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وكانت المملكة قد انتقلت إلى أبيه من أخيه‏.‏

قالوا‏:‏ وكان قابوس من محاسن الدنيا وبهجتها غير أنه على ما خص به من المناقب والرأي البصير بالعواقب من السياسة لا يساغ كأسه ولا تؤمن سطوته وبأسه يقابل زلة القدم ولا يذكر العفو عند الغضب على من أجرم فما زال على هذا الخلق قابوس حتى استوحشت منه النفوس وانقلبت عنه القلوب وتجافى الصاحب عن المصحوب فأجمع أهل عسكره على خلعه عن ولايته ونزع الأيدي عن طاعته وحالوا بينه وبين جرجان وملكوها وبعثوا إلى ولده أبي منصور ليعقد البيعة له فأسرع في الحضور‏.‏

فلما وصل إليهم أجمعوا على طاعته أن خلع أباه فلم يسعه في تلك الحال إلا المداراة فأجابهم خوفاً على خروج الملك عن بيتهم ولما رأى قابوس هذا المرام توجه بمن معه من خواصه إلى ناحية بسطام لينظرما يستقر عليه الأمر‏.‏فلما سمعوا بخروجه حملوا ولده على قصده وإزعاجه عن مكانه ومقابلته بالشر‏.‏

فسار معهم مضطراً إلى أبيه فتلاقيا وتباكيا لما جرى من تغير الحال وتشاكيا وعرض الولد نفسه أن يكون حجاباً بينه وبين أعاديه فلو قوبل بالقتال لقتل وذهب نفسه فيه‏.‏

ورأى الوالدان ذلك لا يجدي ولا توجد نجدة وأن ولده أحق بالولاية والملك بعده فسلم إليه خاتم المملكة واستوصاه خيراً بنفسه ما زال في قيد الحياة واتفقا على أن يكون الوالد في بعض القلاع إلى حلول أجله والأنسلاخ من الحياة والانقطاع أو فناء أعاديه من البلاد والقلاع‏.‏

فانتقل إلى قلعة هنالك وشرع الولد في الإحسان إلى الجيش وهم يسومون والده المهالك فلم يزالوا يسيؤون وهو يحسن إليهم حتى قتلوا والده خشية قيامه عليهم فآل الأمر إلى ما ذكر من إكساف الشمس والقمر‏.‏

فيها وقيل في سنة اثنتين وأربع مائة وقيل ذلك توفي الإمام الجليل السيد الحفيل أبو الطيب الصعلوكي سهل ابن الإمام أبي سهل العجلي النيسابوري الشافعي مفتي خراسان قال الحاكم‏:‏ هو أنظر من رأينا تخرج به جماعة‏.‏

واختلفوا فيه وفي القاضي أبي بكر الباقلاني أيهما كان على رأس المائة الرابعة في كونه مجدد الدين للأمة فقيل‏:‏ هو لكثرة فنونه واتساع فضائله العلمية والعملية وقيل‏:‏ القاضي أبو بكر لاحتياج الناس في زمن البدع إلى علم الأصول أكثر من علم الفروع وغيره لادحاض حجج المبتدعين بقواطع جراهين‏.‏

وقد تقدم أن هذا القول أصح‏.‏

وممن رجحه من الأئمة الجلة الالأكابر الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر وذلك أن الباقلاني المذكور كان بارعاً في علم الأصول كان فيه الغالب عليه من بين العلوم أنفق فيه أوقات عمره فهو بالتقدم فيه مشهور‏.‏وقد ذكرت أيضاً في الشاش المعلم شيئاً من مناقب سهل المذكور ومناقب أبيه‏.‏